الأحد، 23 مارس 2014

مصر التي في خاطري ليبرالية

بداية: ماذا يحدث إذا غابت الليبرالية؟!
بغياب الليبرالية عن المجتمع تتأثر الحرية تأثرًا سلبيًّا، فعلى سبيل المثال يحدث فساد لأخلاق الإنسان، بسيطرة لغة النفاق على الأشخاص، فتتحول الوجوه الآدمية إلى وجوه كرتونية، تبطن خلاف ما تظهر؛ لشعورها بالخوف من التعبير عن آرائهم الحقيقية؛ وذلك بتأثير القيود المتعددة التي تكِّبل العقول والأفكار والقدرات.
وعلى المستوى المجتمعي يفقد المجتمع روح المبادرات؛ وذلك لأنه عندما تسيطر لغة القهر على المشهد العام تنخفض تلقائيًّا همة الأفراد لإصلاح وتطوير مجتمعهم، فتكون النتيجة في النهاية استنزاف قدرات المواطنين وانخفاض إنتاجية المجتمع. ويؤدي غياب الحرية عن المجتمع إلى الهروب عن طريقين: إما بالهروب إلى الخارج باللجوء إلى تكوين الجماعات السرية ذات الاتجاهات الفكرية المنحرفة والشعور بالحرية داخلها، أو بالهروب إلى الداخل بنفاق الحكومة المستبدة والتملق لها.
وفي الدول غير الليبرالية تنتشر العديد من السلطات المستبدة التي تحل بدون وجه حق محل السلطة الفردية، سواء كانت هذه السلطات تتمثل في حكومة متسلطة تقيد الحريات وتمنع الناس عن حقوقهم، أو رجال دين يفرضون أوامرهم الدينية بطرق غير أخلاقية، يتعدون بها على الحريات الشخصية، وحتى في أضيق النطاقات وهو نطاق الأسرة نجد غياب القيم الليبرالية وظهور السلطة الأبوية المتعدية، ولذلك إذا أردت مجتمعًا آمنًا أعطِه حريته.
الليبرالية ليست دينًا
للأسف في مجتمعنا المصري تكثر الشائعات التي تشوه الليبرالية وتظهرها على غير حقيقتها بكونها تعارض الدين الإسلامي، وأنه ليس أمامك سوى خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تكون مسلمًا مؤيدًا لمشروع الإسلام السياسي، وفق منطق لا تناقش ولا تجادل، وإما أن تكون ليبراليًّا أو أي اتجاه آخر، وبذلك يكون اسمك قد أدرج في قائمة الخارجين عن الإسلام المحاربين له!
ومن الطرائف التي رأيتها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي نشر صورة لأحد رموز الليبرالية المصرية وهو يصلي، باعتبار أن ذلك من العجائب، وعندما رأيت التعليقات على الصورة تعجبت من كمية الخرافات الموجودة في عقول الناس عن الليبراليين والتي يسوق لها مشايخ الفضائيات الإسلامية المتشددة، وأبرزهم طبيب بشري نصّب نفسه متحدثًا بالدين عندما قال بصريح العبارة: "الليبرالية يعني أمك تقلع الحجاب"!!، مع الأخذ في الاعتبار أن المسائل الدينية هي أمور شخصية بحتة، ليس لأحد من الأشخاص سلطة تبرر له التدخل فيها.
ونستشف مما سبق تفشي إشكالية خطيرة في المجتمع المصري، وهي الخلط بين السلوك الشخصي والفكر السياسي، بمعنى أنه عندما يتم توجيه نقد للفكر الليبرالي يكون نقدًا لسلوك الأشخاص المنتمين له وليس نقدًا لأفكارهم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ولحل هذه الإشكالية يجب علينا أن نعمل على نقل الشعب المصري من التواجد العقيم في عالم الأشخاص الضيّق إلى عالم الأفكار الرحب، لأن التواجد في عالم الأشخاص ليس سوى دلالة على الإفلاس الفكري وعدم الوصول لأي جديد يساهم في تغيير الواقع.
والليبرالية في جوهرها هي نهج فكري على مستويات متعددة من سياسة واقتصاد وغيرهما من المجالات، وليست عقيدة فتتدخل بذلك في الانتماء الديني للأفراد أو تتعارض معه، وليس هناك ثمة تناقض بين أن تكون ليبراليًّا مستنيرًا وفي الوقت نفسه تكون متدينًا.
ومن الأفكار التي أقترحها لحل إشكالية تشويه الليبرالية في المجتمع المصري تعاون منظمات المجتمع المدني الليبرالية مع وزارة الأوقاف المصرية، من خلال إقامة دورات في ماهية الليبرالية لخطباء المساجد وعلماء الدين، لأن الكثير منهم يكون لديه تصور خاطئ عن مفهوم الليبرالية، قد استمده من بعض كتابات رجال الدين المسيسين، ويساهم في نشر هذا التصور المغلوط من خلال خطابه الديني مع عامة الناس الذين لا يكون لديهم غطاء معرفي يجعلهم قادرين على التفريق بين الصحيح والخاطئ، فتنتشر بذلك صورة مشوهة للفكر الليبرالي.
الروشتة الليبرالية للمشكلات المصرية
يخطئ من يقوم بعملية استنساخ تقليدية للحلول الليبرالية الغربية، ويحاول تفعيلها في المجتمع المصري؛ وذلك لاختلاف البيئات من مجتمع إلى آخر، وما يصلح في الغرب قد لا يصلح في الشرق، والعكس صحيح، ولذلك عندما حاولت وضع الحلول لمشاكل المجتمع المصري من وجهة نظر ليبرالية لم أضع في حسباني تفاصيل الليبرالية الغربية؛ لإيماني أن العلاج الصحيح يكون من الفهم العميق للمجتمع المراد علاجه.
تسميم العقول في الصغر يرهقنا في الكبر
كنت أقف ذات يوم في طابور للعيش وإذ فجأة ينادي أحد الأطفال صديقه بقوله "أنت يا واد يا مسيحي".. الجملة السابقة أثارت استفزازي، فسألته: هل أنت مسلم؟ فرد عليّ بالإيجاب، فقلت له: هل تعتقد بأنك أفضل منه؟ فكانت الإجابة بنعم!، ليست المسألة موقفًا عابرًا ولكن المسألة أعمق من ذلك بكثير. إن العملية التربوية في مصر بتعدد نطاقاتها، من البيت إلى المدرسة إلى الشارع، تساعد على تنمية النزعة العنصرية في نفوس الأطفال، ولذلك فليس هناك داعٍ للتعجب عندما نرى الكبار ينبذون الآخر ولا يتعايشون معه!
ومن المشاهد المعتادة في جميع مدارس مصر خروج الطلبة المسيحيين عندما يحين ميعاد حصة الدين، وبقاء الطلبة المسلمين ليقوم مدرس الدين بتدريس بعض المعلومات لهم، والتي في الغالب تكون بعيدة عن مشاكل الواقع وكيفية التعامل معه، ولكن المعضلة ليست في ذلك وإنما في خروج الطلبة المسيحيين بشكل يرسّخ الأفكار الملوثة من أنهم كفار ومصيرهم إلى النار، وهذه هي الحقيقة التي نهرب من مواجهتها.. نعم نحن مجتمع يساعد على العنصرية، فالاعتراف بالمرض بداية طريق العلاج!
ما هو الضرر الذي سيقع إذا ما تم دمج حصة الدين الإسلامي والمسيحي في حصة تدرّس فيها قيم ومبادئ أخلاقية مثل التسامح والتعايش مع الآخر والأساليب المثلى للحوار، وبالنسبة للعقيدة الدينية فهي حرية متروكة لعائلة كل طفل، فنكون بذلك أفسحنا المجال أمام حرية تعدد المذاهب والأديان، ونجتمع جميعًا تحت ظلال الإنسانية، ما الذي يمنع أن تكون هناك تدريبات عملية في هذه الحصة لتفعيل المبادئ والقيم الليبرالية والتي تتسع لتشمل الجميع، وعلى سبيل التمني فأنا أتمنى أن يحظى الجيل القادم بهذا التغيير لكي نوقف طوفان العنصرية الجارف!
المساواة أسلوب حياة!
اخترت المساواة لأني أرى أن الكثير من المشاكل الظاهرية التي نعاني منها في المجتمع المصري جذورها تنتهي إلى هذه النقطة، كثير من الطبقات المجتمعية تعاني من عدم المساواة، كثير من المؤسسات الحكومية تنتشر فيها المحسوبية والمحاباة، للأسف نخر التمييز في عظام المجتمع المصري بشكل أفقده قدرته على التوازن، فأصبحنا كما نراه الآن مجتمعًا مختلاً!
جرب على سبيل المثال أن تفتح حوارًا عن ظاهرة التحرش في وسيلة مواصلات عامة ستجد عددًا من التبريرات اللانهائية، وستجد بعض التبريرات في غاية القذارة، مثل أن الأنثى تفرح بالتحرش، لكن تعالَ معي عزيزي القارئ لنحاول استقصاء أصل المشكلة والذي يتمثل في النظرة إلى المرأة على أنها إنسان من الدرجة الثانية، وتتحول تلك النظرة إلى أشكال عملية للاستبداد بالمرأة، سواء من قبل أصحاب العمل في حصولها على أجور منخفضة عن الذكور، أو من قبل الزوج الذي يعتدي عليها بالضرب أو الإهانات اللفظية ليل نهار، أو من قبل المجتمع الظالم الذي تشيع فيه النظرة إلى المرأة على أنها أداة استمتاع جنسي.
هناك شكل آخر من أشكال التمييز وهو التمييز الذي يمارس على أساس المظهر أو الوضع الاجتماعي، فمن المعروف في مصر أن الفرد يتم تسهيل معاملاته وحياته بشكل عام بناءً على مظهره وعلاقاته، ولذلك ينتشر لدينا مصطلح "ابن ناس" والمقصود به هنا الشخص من بيئة مادية مرتفعة، وكأن البقية من أبناء المجتمع لا يستحقون الحياة!، كثير من الطلبة المتقدمين إلى الكليات الحربية وكليات الشرطة يتم رفضهم لكونهم فقراء ليس أكثر.
 ولذلك فالمجتمع الليبرالي الذي تسود فيه قيمة المساواة لا مكان فيه لأي نوع من أنواع التمييز، حيث لا توجد فروق بين الرجل والمرأة، أو بين الغني والفقير، وبحكم القانون لابد أن تفعّل قوانين تحمي المجتمع من التمييز، وفي نفس الوقت يتم تجهيز المجتمع للعيش بقيمة المساواة، من خلال رفع الوعي بقيمة الإنسان لكونه إنسانًا، ونشر فكرة الاحترام المتبادل للإنسانية وليس للمادية، وأن قيمة الإنسان الحقيقية في أفكاره!
حتى تكتمل الصورة
هذه نقاط سريعة لكي تنتقل الليبرالية من الجانب التنظيري إلى الجانب العملي:
* الليبرالي الحق لا يعرف المعايير المزدوجة، بمعنى أنه ينبغي علينا كليبراليين أن نكون ثابتين على مبادئنا وقيمنا الليبرالية مع الجميع، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم.
* إذا كان هناك انتشار لأفكار الإسلام السياسي التي تشوه الليبرالية فالحل لن يكون في الجلوس على المكاتب ومهاجمة هذه الأفكار، لابد من تشكيل فرق عمل ميدانية على الأرض، تقوم بنشر الأفكار والمضامين الحقيقية لليبرالية، المواجهة هي الحل!
* من أهم مفاتيح تفعيل الليبرالية هو التفاعل مع احتياجات الناس وإيصال رسالة هامة، وهي أن حقوقهم هي ليست أفضالاً تتفضل عليهم بها الدولة، وإنما هي أمور بديهية لابد لهم من العيش بها، ومساعدتهم في ذلك الاتجاه عن طريق توفير المساعدة القانونية لهم، من أجل الحصول على هذه الحقوق.
*أخيرًا وليس آخرًا اليأس خيانة والأمل وطن!